فى هذه الأيام تحيا مصر حالة من الصخب السياسي والإجتماعي فبعد سيطرة تيار الإسلام السياسي على مقاليد السلطة التشريعية (مجلس شعب - مجلس شورى) وزيادة النعرات الدينية المطمئنة والمخيبة للآمال أصبح الخوف والفزع هما المحركان الرئيسيان للمشاركة الإجتماعية للمسيحيين المصريين ، وعقب وفاة البابا شنودة الثالث أصبحت الكنيسة غير واضحة المواقف والرؤى وصار كل أسقف أو مرشح للمقعد البابوي يستقطب ويسعى لفرض سيطرته وسلطانه على شعب الكنيسة أملا فى إعتلاء الكرسي البابوي والحصول على غفران الرئيس القادم مما فعلة شباب الكنيسة من الإنضمام لصفوف الثوار والخروج عن أوامر الكنيسة وتعليماتها.
فبعد خروج اللواء عمر سليمان من سباق الرئاسة وكذلك الشيخ حازم أبو إسماعيل والقيادي الإخواني خيرت الشاطر أصبحت كافة الإتفاقيات والتربيطات بين بعض القيادات الكنسية وهؤلاء المرشحين فى مهب الريح أملا فى أن يعود أحدهم للسباق مره أخرى فتبرم العقود وتنفذ الوعود.
وبعيدا عن السجال الرئاسي هاجر عدد ليس بقليل من المصريين المسيحيون إلى بلاد أوروبا وأمريكا هربا من الخوف المزروع فى القلوب من قرب وصل التيارات الإسلامية إلى سنده الحكم ولا يرى من بينهم أي إعتدال فالجميع مغالون وبالتقية يتوارون وبأحلام المواطن يتاجرون بهموم الوطن يزايدون.
هرب المواطن المصري المسيحي لأنه لم يعد يشعر بأن مصر بلدته ولا فيها حياتة ولا أمانه هرب بحثا عن الذات وعن الأمان فى بلاد لا يشعر بها اي من كان بالحميمية الوطنية وروح التألف الوطني الذى ننشد بيه فى كل صباح.
ليسوا مجنى عليهم بل هم أيضا جناه هم هربوا وتركوا البلاد والعباد فى مهب الرياح لم يعملوا من أجل مصلحة وطنهم وبنى دينهم بل من إستطاع منهم النجاه بنفسه فعل ومن لم يستطع ينتظر مصير غير معلوم.
فرحوا بهروبهم وجلائهم عن ديارهم وبلادهم وكأنهم لحقوا بأخر قطارات الخلاص، وتناسوا أنهم أيضا جزاء مما نحن فيه اليوم فلم يشاركوا من ذي قبل فى الحياة الإجتماعية بشكل واسع بعيدا عن الكنيسة الإرثوزوكيسة وسلطه العباءة السوداء وجبروت الكهنوت الذى قد يستغله البعض لفرض سياسات بعينها لا تخدم الصالح العلام ولا الخاص بل تخدم مصالح أفراد كل ما يميزهم عن العامة هي عابئتهم السوداء وحسب.
لست هنا لأنصب نفسي قاضيا على الكنسية ولكنني أعرض ما قد يسقطه البعض للوصول سويا إلى حقيقة الأمر، فبعد غياب البعد الوطني وتغليب المصلحة الوطنية على عموم الأمور أصبح غالبية المسيحيون المصريين المشاركون فى الحراك السياسي عقب الثورة يعملون بنفس النمط الديني والعقلية التي تربت على السمع والطاعة للسلطة الكهنوتية متمثلا فى المقولة الأشهر ( على إبن الطاعة تحل البركة)، فجرى منهم من جرى يلهث خلف حزب ساويرس أملا فى النجاة من هجمة الإخوان والسلف (حزب المصريين الأحرار) وكأنهم بهذا يصنعون لأنفسهم كنيسة جديدة بعيدة عن الكنيسة الأم ولكن بنفس الشروط والأحكام.
وغيرها من الحركات الإحتجاجية التي خرجت لتحمل مطالب الأقباط وحدهم وحسب وليس لنا فى هذا مقال أو مقام غير أنه أمر مطلوب وبشده ولكن أن لا يحمل بين طياته أي بعد طائفي وأن لا يكون قيادة مثل هذه الحركات السياسية قائمة على تعليمات وتوجيهات قيادات دينية مهما صلحت أو فسدت.
وحين نرى خروج المصريين المسيحين فى وداع البابا شنودة الثالث فى كل بقاع المحروسة يودعون أباهم الروحي ولهم منا خالص التعازى، ولكنني لم أر 20 % من هذه الأعداد تخرج إحتجاجا على تأسيسية الدستور أو أي إشكالية وطنيه أخرى.
إن كان يرى البعض أن للمسيحين المصريين قضاياهم الخاصة وهى الأهم أن تطرح ومن يؤيدون هذا الإتجاه ينسوا دائما أنه لابد من أن يجلب انصار للقضية القبطية من خارج صفوف الأقباط والكنيسة حتى تأخذ البعد الإجتماعي فى النصرة والدعم.
ولكن هل القضايا الخاصة بالمسيحين المصريين تغنيهم عن الأشكاليات الوطنية الجامعة؟؟؟
لذا تضح الصورة كاملة أن جزء من المسؤولية التاريخية فى تلك الفترة الحرجة التي تمر بها مصر على عاتق المصريين المسيحيين وعليهم ان ينتبهوا لهذا الخلل الجسيم فى تكوين الشراكة الإجتماعية مع الوطن وقضاياه الإشتباك السلمي فى المتغيرات السياسية أصبح أمر إلزامي لا يخضع للنقاش أو التأويل.
ونخلص إلى أهم النقاط التي بحاجة إلى مراجعة وإعادة نظر بشكل حقيقي وفعال فى إعادة الإندماج الوطني بين المسيحين المصريين وباقي أطياف المجتمع :
أولا : أن تلتزم الكنيسة بدورها الروحي والعقائدي فقط ولا تتدخل فى الشئون العامة مثل حشد اصوات المسيحين لمرشح بذاته أو فرض مرشح على البسطاء منهم للتصويت له فى أي إنتخابات.
ثانيا : إعادة إنتاج وطرح قيادات جديدة شبابية تحمل على عاتقها القضايا القبطية الخاصة وقضايا الوطن العامة بعيدا عن تلك القيادات التي صنعها نظام المخلوع وأعوانه على مدار الثلاثون عاما الماضية وأصبح هذا جليا حين أعلن عمر سليمان عن ترشحة للرئاسة فخرج من صنعهم مهللين بحمده وشاكرين أمجاده ونعمه عليهم.
ثالثا : الإنخراط وبقوة فى الأحزاب المدنية واليسارية ودعمها بشكل إيجابي وحقيقي حتى تصبح الكتلة المدنية المصرية قوة بشكل كاف فى مواجهة التصعيد والصعود من قبل تيارات الإسلام السياسي.
رابعا : خروج رجالات الدين المسيحي من المشهد السياسي كافه حتى يستطيع التيار المدني مناهضة تدخل رجال الدين فى الحياة السياسية فلا يعقل أن نناهض تدخل الدين فى الشئون العامة وعلى الإتجاه الأخر نرى رجالات دين المسيحي يقودن مسيرات وتظاهرات.
ومازال الوطن يحتاج الكثير والكثير من جهودنا سواء
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق